Sunday, June 9, 2013

التمويل الإسلامي بحاجة إلى قيم أخلاقية





جريدة الشرق الأوسط: الثلاثـاء 22 شـوال 1432 هـ 20 سبتمبر 2011 العدد 


                                                           
                                                                                                                                                    

            رئيس الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي: المجال مفتوح لاستعادة القيم الأخلاقية للتمويل والصناعة المصرفية
قال لـ «الشرق الأوسط»: إن نظام الفائدة اختراق لحاجز الأخلاق الدينية عبر التاريخ

د. معبد الجارحي رئيس الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي

فتح الرحمن يوسف
أكد خبير مصرفي أن المجال مفتوح لاستعادة القيم الأخلاقية للتمويل الإسلامي وصناعة المصرفية الإسلامية، التي تمت مصادرتها عبر حقب مختلفة نتيجة تشوهات في إيصال الرسالة الدينية عبر الحقب التاريخية.
واقترح الخبير المصرفي الدكتور معبد الجارحي رئيس الجمعية الدولية للاقتصاد الإسلامي في حوار مع «الشرق الأوسط» أن تقوم رابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية، بتصنيف الجامعات التي تدرس الشريعة، وترتيبها من حيث القدرة على تخريج المجتهدين، وتحديث التصنيف سنويا.
وأكد على وجوب أن تضم كل هيئة شرعية عضوا من المتخصصين في الاقتصاد والمال لشرح المآلات الاقتصادية والمالية للسادة الفقهاء، حتى يأخذوها في الاعتبار عند إصدار الأحكام، مشيرا إلى أنه من الأهمية بمكان أن يعيد كل من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ومجلس الخدمات المالية الإسلامية النظر في عضوية هيئاتهما الشرعية، بحيث تتوافر فيها الشروط المطلوبة.
* كيف تتعاملون مع المبادئ الأخلاقية للتمويل الإسلامي؟ وهل من إجراءات عملية في هذا الشأن؟
- نتطرق الآن إلى تحليل الجانب الأخلاقي للتمويل الإسلامي، ونعتمد في هذا التحليل على تبيان الظلم والضرر اللذين يحيقا بالمجتمع من جراء تطبيق نظام التمويل التقليدي، وأول مصادر الظلم في نظام الإقراض بالفائدة هو أن المقرض يصادر لصالحه ثروة هي من حق المجتمع ككل، والثاني أن الفقراء يتعرضون للمعاناة في نظام مبني على الفائدة غير الشرعية، والثالث أن نظام التمويل التقليدي يؤدي إلى أضرار محققة تحيق بالنظم الاقتصادية في أنحاء العالم كافة. فالنقود بطبيعة الحال تقوم بوظيفة الوحدة الحسابية، ومقياس القيمة، ووسيلة التبادل، وبينما يمكن لأي سلعة أن تلعب دور الوحدة الحسابية ومقياس القيمة، فإن النقود وحدها ودون غيرها هي التي تستطيع أن تعمل كوسيلة للتبادل. وتتوقف قدرة النقود أو أي شيء آخر على القيام بوظيفة وسيلة للتبادل على القبول العام. أما فيما يتعلق بالنقود الورقية، فإنها إذا ما خلت من صفة القبول العام، فإنها لن تلعب دور وسيلة التبادل، والمثال الحي لذلك هو ما حدث للمارك الألماني خلال فترة التضخم الجامح على أثر الحرب العالمية الأولى. إذن فإن قيمة خدمة المعاملات التي تقدمها النقود، والتي تنشأ من القبول العام من جانب المجتمع لاستخدامها وسيلة للتبادل إنما تنشأ بفضل المجتمع ككل، وعليه فإنه لا يجوز أخلاقيا لشخص ما أن يتقاضى مبلغا مقابل خدمة وسيلة التبادل، لأن تلك الخدمة يملكها المجتمع، ومن حقه وحده إن شاء أن يتقاضى مقابلا عنها. ومن المعروف أن البنك المركزي (وهو مؤسسة مملوكة للحكومة) يقوم بإصدار الجزء الأصغر من النقود (العملة المتداولة)، ومن ثم يستخدمها لإقراض الحكومة والبنوك (وهي على العموم مؤسسات خاصة) مقابل نسبة من الفائدة. ولا ينطوي إقراض البنك المركزي للحكومة بسعر فائدة على أي قضية أخلاقية حيث إن صافي عائدات البنك المركزي يتم ضمه إلى ميزانية الحكومة. والمحصلة النهائية لهذا العمل أن الحكومة تقرض نفسها، وتفرض على نفسها فائدة ربوية. أما قيام البنك المركزي بإقراض البنوك بالفائدة، فهو ينطوي على إعادة توزيع للثروات لا مبرر له بين الحكومة التي تقدم من خلال البنك المركزي منحة للبنوك، وحملة أسهم البنوك، بصفتهم المستفيدين من هذه المنحة، والجمهور هو الذي يدفع الربا إلى البنوك بصفته المقترض الأخير. أما الجزء الأكبر من النقود فتقوم بتوليده البنوك، بفضل تطبيق نظام الاحتياطي الجزئي، ومن ثم تقوم بإقراضه إلى عامة الناس. هنا يعود صافي عائدات هذه القروض إلى وعاء حملة الأسهم لهذه البنوك، حيث يقومون بجمع الثروات على حساب عامة الناس، ويتم إعادة توزيع الثروات بهذا الشكل لصالح حملة الأسهم، مما يبدو بدون مبرر أخلاقي.
* هنا ما الذي بوسع البنوك عمله؟
- بوسع البنوك أن تكدس مثل هذه الثروات على حساب الناس بفضل حقوق الاحتكار التي منحتها الحكومة لها في صورة الترخيص الذي يصدره البنك المركزي لهذه البنوك. وهو الذي يحدد من يحصل على الترخيص ومن لا يحصل عليه، إذ إن إعادة توزيع الثروات بأخذها من عامة الناس وإعطائها لملاك البنوك قضية لا بد من الوقوف أمامها.
* أليس من حق الأفراد الاحتفاظ بأرصدة نقدية؟
- لا اعتراض على ذلك، ومن حق الأفراد أن يستخدموها كوحدة حسابية ومعيار للقيمة، فهذا يدخل ضمن صلاحياتهم الخاصة. غير أن استخدامهم للنقود كوسيلة للتبادل سيتوقف على القبول العام من المجتمع ككل لقيام النقود بهذا الدور. وعليه، فإنه لا يجوز أن يقرضوا هذه النقود إلى الآخرين (الذين يتوقع منهم أن يستخدموها كوسيلة للتبادل) مقابل نسبة من الفائدة، حيث إنهم بذلك سيصادرون لأنفسهم وحدهم شيئا مملوكا للمجتمع ككل، وهذا الظلم هو أحد الأسباب التي تجعلني شخصيا أقترح أن يطبق معدل للاحتياطي القانوني يساوي 100 في المائة على الودائع الجارية.
* ما أهم صور العقود التي يتم من خلالها تقديم التمويل الإسلامي؟
- يقدم التمويل الإسلامي 12 عقدا يمكن من خلالها توجيه الأموال مباشرة نحو الأنشطة الاقتصادية (الاستثمار، والإنتاج، والتجارة، والاستهلاك)، وهذا يحول دون وقوع النوع الأول من الظلم، وهو الناجم عن قيام المقرضين بمصادرة جزء من ثروة المجتمع لصالحهم، عن طريق قيامهم ببيع الخدمات التبادلية للنقود، التي هي حق المجتمع، كما يحول دون وقوع النوع الثالث من الظلم وهو إلحاق عدد من الأضرار المحققة بالنظم الاقتصادية. أما النوع الثاني للظلم فهو معاناة الفقراء وقلة نصيبهم من التمويل، فإن إزالة هذا الظلم يتطلب جهودا حقيقية لتوفير تمويل للمشاريع متناهية الصغر لصالح الفقراء من جانب المصارف الإسلامية، إلى جانب استخدام حصة من زكاة الأموال لتمويل تلك المشاريع، ونقل ملكيتها وإدارتها لاحقا إلى الفقراء.
* ما هي أضرار التمويل غير المتوافق مع الشريعة الإسلامية؟
- يتسبب التمويل الربوي في إلحاق أضرار محققة بالاقتصاد الكلي، وبالتالي فإن الذين يمارسون هذا النوع من التمويل يلحقون الأذى والضرر بالمجتمع ككل، ومن الواجب إذن اعتبار ذلك السلوك نوعا من الظلم والتصرف غير الأخلاقي في حق المجتمع، ومن الأضرار الاقتصادية الكلية للتمويل غير الإسلامي عدم الاستقرار، فالنظام المصرفي التقليدي أصلا غير مستقر، فمطلوبات البنوك تعتبر قروضا ربوية مضمونة قطعا، لكن موجودات البنوك معرضة لكثير من المخاطر، بما فيها خطر عدم السداد. وعليه، فإذا وقع خلل جلي وعلى نطاق واسع في جانب الأصول، فإن البنك سيقع في الإفلاس حتما، وهذا ما قد يؤدي إلى فشل شديد للبنوك. كما يرتبط الإقراض التقليدي بوجود أسواق قروض موحدة، بقيت مصدرا مهما لعدم الاستقرار والعدوى، فالأموال الساخنة (الأموال قصيرة الأجل) يمكن أن تدخل وتخرج في أسواق السندات في كل دولة حسب رغبة أصحابها، مما يتبعه تقلبات اقتصادية حادة عادة ما تنتقل بسرعة إلى البلاد المجاورة من خلال حركة الأموال قصيرة الأجل.
* كثيرا ما تتحدث عن مخاطر وسوء الاختيار والنزوع السيئ، ماذا تقصد بذلك؟
- إن الإقراض غير الإسلامي يعاني من مشكلة عضوية بسبب عدم تماثل المعلومات بين مقرضي المال ومستخدميه، والاستثناء الوحيد هو نظام الصيرفة الشاملة السائد في البلاد غير «الأنجلو ساكسونية»، حيث يمكن للبنك أن يمول الشركات بأسلوب المشاركة (مثل البنوك الإسلامية)، ويقرن ذلك بالتمويل الربوي، مما يقلل عدم تماثل المعلومات بين البنك ومستخدمي الموارد المالية. وتؤدي مشكلة عدم تماثل المعلومات إلى مخاطر سوء الاختيار بمعنى إعطاء التمويل لغير المؤهلين للاقتراض، ومخاطر النزوع السيئ، وهو استخدام الأموال المقرضة في غير ما خصصت له، مما يجعل من الصعب سدادها. وهذه المخاطر تسبب قلة تمويل للاقتصاد وخسارة في الإنتاج والتوظيف الذي كان يمكن تحقيقه.
* كذلك تحدثت عن عثرات تمويل التنمية الاقتصادية، ماذا ترى في ذلك؟
- إن التمويل التقليدي أساسه الإقراض، أي إنه يوزع الموارد المالية طبقا لمعايير إقراضية بحتة (القدرة على السداد، الضمانات.. إلخ). وهذا يحرم كثيرا من المشاريع الإنمائية من الحصول على التمويل اللازم، كما يمنع التنمية الاقتصادية من الحصول على الاهتمام الكافي، مما يفسر سبب تدني وضع الاقتصاد المحلي لكثير من البلاد.
* يوجد في الوقت الحالي ضعف في تماسك أجزاء النظام الاقتصادي، ما رؤيتك في ذلك؟
- يمكن تشبيه التمويل التقليدي بلعبة «النُظَّارة» أو «المشاهدون»، حيث يقوم قلة من اللاعبين الماهرين باللعب في الميدان بينما الغالبية العظمى من المشاهدين يجلسون خارج الميدان للمشاهدة ومجرد الاستمتاع، ولا شك أن المخاطرة جزء لا يتجزأ من عملية الاستثمار. والذين يقومون بتمويل الاستثمارات يتعرضون لمخاطر كبيرة مثلما يتعرض لها المستثمرون أنفسهم. أما التمويل التقليدي فإنه يترك المخاطر ليتحملها متخصصون قلة. فالبنوك والمؤسسات المالية تقدم للمستثمرين قروضا مضمونة. وبهذا تضع نفسها بمنأى عن جملة من المخاطر، كمخاطر الإنتاج، ومخاطر التسويق والتوزيع، وهكذا تقتصر المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها على المخاطر المتعلقة بالضمانات فقط. لذا، يمكننا أن نلاحظ أن تحمل المخاطر واتخاذ القرارات متروك لفئة قليلة من الأفراد المعنيين. وبهذا، فليس هناك توازن في توزيع المخاطر عبر المشاركة في اتخاذ القرارات. فالمجتمع مقسم إلى فئتين: فئة تتحمل المخاطر، وفئة تقوم بالمضاربات واتخاذ القرارات. وإذا حصل الفصل بين هذه الفئات، فإنه في حالة حدوث أزمة اقتصادية تبدو الحالة أشبه بسيارة قديمة صدمت وانفكت الأجزاء المختلفة أيما انفكاك.
* هل معنى ذلك عدم القدرة على الاستمرار؟
- أعتقد أن القروض التقليدية تنطوي على عوامل يمكن أن تضيق الخناق على المقترضين، إذا ضاقت بهم الظروف ومنعتهم من سداد قروضهم وقتها، فعادة ما يتم احتساب الفائدة على رصيد القرض الذي لم يتم سداده، وغالبا ما تحتسب الفوائد المركبة على أساس سنوي، وأحيانا تركب الفوائد على فترات أقصر من سنة، والمتخلفون عن سداد قروضهم تحتسب عليهم غرامة على التأخير غالبا ما تكون أعلى من نسبة الفائدة في الأحوال العادية، وهذه النسب الربوية العالية تطبق على كامل رصيد الدين دون أن تكون هناك تفرقة بين الجزء الذي حصل فيه التأخير في السداد والذي لم يحصل تأخير فيه بعد. وليس من الغريب أن تجد مقترضين اضطروا في نهاية المطاف إلى أن يدفعوا فوائد تتضمن الغرامات التي فرضت عليهم من جراء تأخرهم في السداد تفوق المبلغ الأصلي للقرض. وهذا أمر مألوف جدا في حالة بطاقات الائتمان، حيث تكثر فيها مشكلة المديونيات وما زالت تحدث رغم المحاولات المتواصلة لإصلاح النظام. كما أنه أيضا يمثل ملمحا من ملامح القروض المقدمة للدول النامية، حيث كثيرا ما تتعرض لمشكلات ائتمانية ينتهي بهم الأمر إلى انتفاخ القروض إلى حد التأزم.
* هل يمكننا أن نرى لونا آخر من التمويل الديني غير الإسلامي؟
- في البلاد النامية تقدم هيئات الائتمان المجتمعية حلولا للفقراء للهروب من الربا. وقد نجحت برامج هذه الهيئات في صورة وكالات تقديم القروض متناهية الصغر في بلاد مثل الهند وبنغلاديش. وقد أخذت هذه الفكرة في الانتشار الواسع في الولايات المتحدة الأميركية، ويرى البعض أن القرض الحسن يقدم على الأقل حلولا جزئية لمشكلة الفقر، كما لوحظ في تجربة القرض الحسن الذي أثبت مفعوله لدى مجموعة من الفقراء مكونة من سيدات مقترضات. ويتعرض المزارعون الصغار في كثير من البلاد لصعوبات الحصول على الائتمان بسبب أن البنوك تحتسب مبالغ عالية مقابل المصروفات الإدارية لكل قرض تقدمه، مما يجعل الحصول على القروض الصغيرة في غاية الكلفة. كما أن هناك فجوات كبيرة للمعلومات نتيجة كون البنوك ليس لديها آليات معينة لانتقاء المزارعين الصغار الذين لديهم فرص كبيرة لنجاح مشاريعهم. وعلى الرغم من أن برامج الإقراض الصغير المنظم (المؤسسي) قد زاد توسعها، فإن الإقراض الصغير غير المنظم ما زال يحتفظ بأهميته. وفي بنغلاديش، تعمل برامج التمويل الصغير المنظم جنبا مع برامج التمويل الصغير غير المنظم. والمزارعون يلجأون إلى القروض إما بالطرق الرسمية وإما بالطرق غير الرسمية، ولكن الصنفين يتعرضان لصعوبات ائتمانية، ذلك لأنهم يستخدمون جهودهم البدنية بدلا عن مدخلات الإنتاج التي تحتاج إلى تمويل في بداية الموسم، الأمر الذي يقلل مفعول عملية الإنتاج، وهذه الصعوبات الائتمانية في الواقع أقل حدة على المقترضين بالطرق غير المنظمة، حيث يكون إجمالي نفقات رأس المال العامل للاقتراض بالطرق المنظمة مرتفعا وباهظا بصورة تفوق الاقتراض بالطرق غير المنظمة. وحتى في الإقراض الصغير بالطرق المنظمة، فإن الحصول على الائتمان يظل أمرا بعيد المنال بالنسبة إلى المزارعين الصغار. والإقراض بالطرق غير المنظمة يساعد كثيرا على التعرف على المزارعين الصغار الذين يعطون الانطباع بأنهم غالبا سينجحون في توظيف الأموال المقترضة. ورغم أن الإقراض الصغير بالطرق الرسمية، بخلاف الإقراض بالطرق التقليدية، يخلو من نفقات إدارية باهظة، فإنه لا يحل إشكالية اختيار المقترضين المميزين. كما أن المقرضين بالطرق غير المنظمة يتمتعون ببعض الإيجابيات في مجال الحصول على المعلومات.
* وكيف ترى ذلك في أميركا؟
- تبنت برامج الإقراض المبنية على حلقات الصداقة في الولايات المتحدة أساليب بدأت نشأتها في البلاد النامية، ثم أخذت تعمل بها محليا لصالح الفئات ذات الدخل المحدود، وطبقا للدراسات حول هذه البرامج على المستوى الوطني، فإن احتمال التخلف في السداد يتوقف بالدرجة الأولى على أوضاع، أهمها مخاطر ائتمان المقترض، والمدة الزمنية. ومع ذلك، فهناك أدلة تشير إلى أن هيكل المدفوعات والإجراءات التي تتخذها حلقات الصداقة أدت إلى تراجع التأخر عن سداد الديون، وقد بدأت مؤسسات تمويل المؤسسات الصغيرة في الولايات المتحدة عام 1980، وتقوم بتقديم تدريب على الأعمال التجارية، بالإضافة إلى الإقراض بمبلغ صغير في حدود 35 ألف دولار فما دونه، للمشاريع التجارية ذات موظفين لا يتجاوز عددهم 5 موظفين. ويبلغ عدد هذا النوع من البرامج 500 برنامج. وقد لعبت هذه البرامج دورا كبيرا في رفع وتطوير نمو مجالات المشاريع الصغيرة على مستوى العالم وحركة التنمية الاقتصادية للسيدات. كما تم إنشاء معظم منظمات التنمية للمشاريع الصغيرة في الولايات المتحدة الأميركية استجابة للحاجة المحلية إلى خيارات اقتصادية أفضل، لا سيما للأفراد الذين لا يستطيعون اللجوء إلى المؤسسات المالية.
* وهل في أوروبا يوجد مثيل لما ذكرت؟
- طال النقاش في الدول الصناعية، التي تحظى بالأنظمة المصرفية المتطورة، حول ما إذا كان هناك طلب على خدمات التمويل للمشاريع متناهية الصغر لم يتم اكتشافه بعد، وقد قامت محاولة رائدة لدراسة اختيارات المستهلك لمنتجات هذا التمويل في ألمانيا، ووجدت أن هناك إقبالا عليه، كما أشارت إلى أن المستفيدين المحتملين يضمون الأفراد ومالكي المشاريع التجارية من الأجانب، والأفراد الذين سبق أن حصلوا على قروض شخصية.
* وما دور وشكل أخلاقيات المشاركين في النظام؟
- أولا من ناحية مقدمي الأموال، فإن ذلك يشمل كلا من المساهمين والمودعين، ويقع على عاتق المساهمين مسؤولية تحديد إدارة المؤسسة وأعضاء هيئة الرقابة الشرعية، كما تنطوي عملية اختيار أعضاء هيئة الفتوى في كثير من الأحيان على درجة عالية من تفضيل الأعضاء الأكثر قبولا للرخص والاستثناءات من غيرهم، الأمر الذي يفسر انطباق قانون «جريشام» على أرض الواقع في نطاق واسع. ويلاحظ أن الجهات الرقابية (البنوك المركزية في معظم الحالات) لا تتحمس نحو وضع قواعد لحوكمة هيئات الرقابة الشرعية، الأمر الذي يحمل المساهمين مسؤولية أخلاقية كبيرة.
* وبماذا تنصح في هذا الجانب؟
- أنصح أصحاب ودائع الاستثمار والادخار أن يولوا اهتماما بمسألة عضوية هيئة الرقابة الشرعية ودرجة التوافق للمنتجات المالية التي يتم إنتاجها باستخدام أموالهم، وبصفة عامة يجب تحقق الشفافية الكاملة بخصوص مصداقية هيئات الرقابة الشرعية.
* من يتحمل المخاطر في هذه الحالة؟
- يشترك أصحاب ودائع الاستثمار وودائع الادخار مع المساهمين في تحمل المخاطر، رغم أن حملة الأسهم هم أصحاب القرار. وليست هناك وسيلة متفق عليها لحماية أموال أصحاب الودائع من إهمال وتقصير إدارات البنوك، التي تقوم بدور المضارب. ويبدو أن المسؤولية عن ذلك تتركز في جانبين، أولهما يلاحظ أن عقود المضاربة والوكالة، التي على أساسهما تدار ودائع الاستثمار والادخار، لا تسمح بالمشاركة في الإدارة، لكنها تسمح بالمتابعة والمراقبة. وهنا يجب على الجهات الإشرافية أن تتدخل بوضع خطط كفيلة لجعل المودعين على علم بأحوال ودائعهم في البنك، وتمكينهم من المتابعة المستمرة والفعالة.
* وكيف يكون الاستخدام المستنير للتمويل الإسلامي لدى مجموعة مستخدمي الأموال؟
- يتحتم على مستخدمي الأموال أن يولوا الجوانب التالية جل اهتمامهم، القيام بالمقارنة بين صيغ التمويل البديلة والمتاحة من حيث مطابقة المنتجات المالية لأحكام الشريعة، واحتمال أن تؤدي إلى التورط في منتجات سيئة السمعة، ومعرفة كيفية معالجة حالات الإعسار المؤقت. وعند استخدامنا لصيغة التمويل المبني على المشاركة في الأرباح والخسارة يجب تحفيز مستخدمي الأموال بمزاولة الشفافية، وكشف كامل عن الأرباح، وتجنب التشكيك في المتعامل.
* ما دور مجموعة الجهات الرقابية؟
- يجب أن يتم الإشراف على مؤسسات التمويل الإسلامي ومراقبتها وفقا لنظام خاص بها. وبناء عليه، لا بد على السلطة الرقابية أن تثير قضايا مهمة ومنها، التأكد من أن تكون القواعد الرقابية مصممة لتكون مناسبة للإشراف على التمويل الإسلامي أم التمويل التقليدي، والتأكد إن كان لدى البنك أو مؤسسة التمويل الإسلامي إجراءات داخلية لتحقيق ملاءة كافية، وقرارات استثمارية حكيمة، وأحكام شرعية صحيحة. بالإضافة إلى ذلك يجب التعرف على قواعد إدارة الشركات، والتأكد من قدرة إدارة البنك أو مؤسسة التمويل الإسلامي على تنفيذ مهام التمويل الإسلامي، مع ضرورة أن يكون أعضاء هيئة الرقابة الشرعية مؤهلين، حيث لا بد من أن تسند مهمة صياغة وتطوير وتوثيق المنتجات إلى إدارة معينة، مع تأهيل وحدة التدقيق الشرعي، من حيث الحجم والإمكانات، وأن يكون لديها استقلالية كافية، مع ضرورة التعرف على كيفية ممارسة البنك المركزي دوره في إشرافه على البنوك الإسلامية، ومن ثم التعرف على حجم الموارد المالية للبنك التي يتم تداولها من خلال سوق لندن للمعادن.
* ما هي أولويات العلماء الشرعيين في حالة توليهم أمر التمويل الإسلامي؟
- يتصدى عضو الهيئة الشرعية للفتوى، بمعنى إظهار بيان الحلال والحرام، وهذا يضع على عاتقه تلقائيا مسؤولية جسيمة، ومن البداية لا يجوز أن يتصدى للفتوى غير المؤهلين وذوي الخبرة في موضوع الفتوى. وهذا يثير عدة قضايا، أولها تكوين الهيئات الشرعية والمؤهلات المثلى لأعضائها. وإذا كانت الهيئة من المستحسن أن تتكون من عدد فردي من الأعضاء، فيهم اقتصادي واحد، والباقون علماء في الشريعة، فعلينا إذن أن نتساءل من هو العالم الشرعي؟ ومن هو الاقتصادي؟ والإجابة أن كلا منهما يعرف بمؤهلاته. فالعالم الشرعي يجب أن يكون لديه شهادة الدكتوراه في الشريعة من جامعة معترف بها، تدعمها خبرات متراكمة في تدريس الشريعة والبحث المنشور في دوريات علمية محكمة. وأحب أن أضيف أن العالم الشرعي الذي يتصدر للفتوى يجب ألا يكون من أصحاب الآراء الشاذة أو من المصرين عليها. كما يجب ألا يكون ممن يكثرون الخطأ في الفتوى، وينكرون الاجتهاد الجماعي الذي تقوم به مجامع الفقه المعروفة. وبنفس الطريقة، يمكن أن نتعرف على الاقتصادي، فهو بصفته عالما في الاقتصاد، لا بد أن يحمل شهادة الدكتوراه في اقتصادات النقد والمال من جامعة معترف بها، يدعمها خبرات متراكمة في التدريس والبحوث المنشورة في دوريات علمية محكمة، بالإضافة إلى خبرة في الصيرفة والتمويل.
* وفي هذا الصدد كيف يتم الحكم على مؤهلات أعضاء الهيئات الشرعية؟.. هل يمكن للمرء أن يكون هو الحكم على مؤهلاته بنفسه؟
- بالطبع لا.. فلا بد أن يقوم بذلك جهة محايدة ومؤهلة للقيام بذلك.
* هل يمكن أن تكون السوق هي الحكم؟
- من الملاحظ أن حكم السوق هو القاعدة المتبعة حاليا، والتي تعطي السلطة للمساهمين لتقييم مؤهلات أعضاء الهيئات الشرعية، وبصفة عامة لا بأس أن تكون السوق حكما فيما يتعلق مباشرة بالسوق، كالمهارات، والمعارف، لا سيما في المجال الإداري. أما في الأمور المتعلقة بإصدار حكم محايد مبني على العلم بالأحكام الشرعية، فإن السوق سوف تقدم معيارا مضللا، إذ إن الذين لديهم الاستعداد لتقاضي مبالغ أقل مقابل خدماتهم، وعلى استعداد أيضا لتقديم الآراء الأكثر توافقا مع رغبات حملة الأسهم، سينالون الاختيار، تاركين وراءهم الذين لديهم إلمام شرعي أفضل.
* كم عدد الهيئات الرقابة الشرعية التي يمكن للعضو أن يجلس فيها؟
- يفترض أن تجتمع هيئة الرقابة الشرعية مرة كل شهر. ويفترض أن يستغرق التحضير الجاد لكل اجتماع من ثلاثة إلى سبعة أيام من الإعداد والمراجعة. هذا يعني أن الحد الأعلى من الاجتماعات التي يمكن للمرء أن يحضرها كليا تتراوح بين أربعة وخمسة اجتماعات في الشهر. وإذا رغب العالم الشرعي في أن يقضي كل أوقات عمله في أعمال الرقابة الشرعية، بدون أخذ إجازة أو راحة، وأن يتجاهل مسؤولياته العائلية والاجتماعية، فإنه على الحد الأعلى يمكن أن يجلس في خمس هيئات رقابة شرعية. وإذا كان عضو الهيئة عالما كفئا بطريقة فائقة بسبب خبراته الواسعة، ووجود طاقم من المساعدين له، فيمكن ضرب هذا العدد في اثنين أو ثلاث، أو بتعبير آخر، إن الحد الأعلى من هيئات الرقابة الشرعية التي يمكن للإنسان أن يجلس فيها كعضو، إذا توافر لديه فريق متفرغ من المساعدين، يتراوح بين 10 و15 هيئة رقابة شرعية.
* من الذي يدفع أجور هيئات الرقابة الشرعية؟
- هذه النقطة أثيرت أكثر من مرة بناء على ما يبدو من أن المديرين هم الذين يدفعون أجور هيئات الرقابة الشرعية، لكن المساهمين في الواقع هم الذين يحددون رواتب وأجور أعضاء هيئات الرقابة الشرعية، ولو كان المساهمون هم أصحاب القرار النهائي بالنسبة إلى انتقاء أعضاء هيئة الرقابة الشرعية، دون الرجوع إلى طرف ثالث محايد للتصديق على مؤهلات أعضاء الهيئات الشرعية قبل تعيينهم في هيئة الرقابة الشرعية، فما الذي عساه أن يحدث؟ ستتضارب المصالح، وحين يختص المساهمون بحق التصديق على أهلية أعضاء هيئة الرقابة الشرعية، بجانب حق تعيينهم، وهم ينتظرون أن يقابل المرشحون لعضوية الهيئة الجميل بمثله، فيكونون متساهلين في أحكامهم ومواقفهم، فإن الذي سيقع هو التضارب في المصالح، والخلاصة أنه إذا كان المساهمون هم الحكم الأخير على مؤهلات المرشحين.



                                                                                 


No comments: