Sunday, June 9, 2013

الثورة والدعاوى الفلولية

الثورة والدعاوى الفلولية
قامت ثورة 25 يناير لتنهي ستين عاما من العبودية والرق في ظل حكم عسكري دكتاتوري، غلبت عليه الفاشية (أي النظام الذي يحكم فيه من يجمع صولجانات السلطة كلها في يده، وهذا هو المعى الحقيقي للفاشية)، وسانده صراحة أحيانا وضمنا أحيانا أخرى القوى الليبرالية والعلمانية. وشارك في الثورة المصريون بكافة ألوانهم: مسيحييين ومسلمين. ثم تكونت تدريجيا قوى الثورة المضادة من داخل أجهزة الدولة وخارجها. وبدأت دعاوى الفلولية تنهمر على الثورة بغرض تفريق الثوار إلى إسلاميين وعلمان، مع أن الجميع مسلمون يريدون تطبيق الشريعة، حتى المسيحيين يرون في تطبيق الشريعة حماية لهم (وانظر ما ورد في سورة المائدة حول دعوة أهل الإنجيل بأن يحكموا بما أنزل الله فيه). وتكونت عناصر الرجعية الجديدة تحت مظلة ما يعرف "بجبهة الإنقاذ." ومن أهم دعاوى الفلولية التي تكون عناصر فكر الرجعية الجديدة ما يلي:
أولا: أن رئيس الجمهورية المنتخب مرفوض لأنه من الإخوان المسلمين.  وهذا استهزاء بإرادة الشعب، وصرفا لحاكم مصر عن ممارسة سلطاته في تحقيق صالح البلاد والعباد.
ثانيا: أن الدستور صنعه الإخوان المسلمون. وهذا كذب وافتراء حيث أن الجمعية التأسيسية انتخبت من مجلسي الشعب والشورى المنتخبين من الشعب، وفقا لقواعد توافقت عليها كافة القوى السياسية. ولقد شارك فيها ممثلون عن قوى جبهة الإنقاذ كان أبرزهم عمرو موسى. ولقد تغيب ممثلوا الكنيسة عن الجلسات الإخيرة وعددها لا يصل إلى خمسة جلسات، ولم يستقيلوا، مما لم يستدعي استبدالهم من الاحتياطي، وفقا للائحة الجمعية. كما تم الوافق على جميع مواد الدستور باستثناء إثنى عشرة مادة، ثم انسحب أنصار الجبهة من خلال الإعلام، في محاولة مفضوحة لإفشال وضع الدستور ومد المرحلة الانتقالية إلى ما لا نهاية. ولم يتقدم بالاستقالة رسميا إلا قليل منهم، تم استبدالهم من قائمة الاحتياطي.  فصناعة الدستور إذن شرف لا يجوز نسبته للإخوان وحدهم. وقصره على الإخوان افتراء على بقية من نالوا شرف وضع الدستور.
ثالثا: أن الدستور أنجز في جلسة واحدة ولم يعط الوقت الكافي. وهذا افتراء بيّن، حيث أن كل مادة من مواده استغرقت حوالي 300 ساعة في المتوسط من المناقشات. أما الجلسة الإخيرة التي امتدت من بعد ظهر الخميس إلى ضحى الجمعة، فخصصت للتصويت على المواد التي تمت صياغتها، وكان لا بد من التصويت عليها في جلسة واحدة.
رابعا: أن الدستور يؤسس لدولة رئاسية، وأن سلطات رئيس الجمهورية قد زادت محاباة للدكتور مرسي لأنه من الإخوان المسلمين. وهذا كذب أيضا، حيث أن الدستور قلّص سلطات رئيس الجمهورية لحد بعيد، بحيث أصبح النظام السياسي وسطا بين النظامين البرلماني والرئاسي.
خامسا: أن قطر سوف تشتري أصول مصر، وهذا كذب أيضا. فلقد قدمت قطر الكثير للثورة المصرية، وكان موقف قناة الجزيرة من الثورة موقفا مشرفا في الوقت الذي كانت فضائيات الفلول تغزف لحن الرجعية الجديدة. وقطر إذ تستثمر في مصر تستفيد قطعا، بينما يستفيد المصريون بالنصيب الأكبر من مكاسب الاستثمار.
سادسا: أن الدكتور مرسي الرئيس الجديد فقد شرعيته، لاتخاذه قرارات رجع عنها فيما بعد. وهذا خطأ بين. لأن رجوع رئيس الجمهورية عن قرار خاطئ أفضل من إصراره على الخطأ. كما انه انعكاس لزوال الدكتاتورية بلا رجعة.
سابعا: أنه يجوز في الاحتجاجات أن يقوم المتظاهرون باستخدام المولوتوف والخرطوش وقتل الشرطة وتدمير ممتلكات الدولة ومقرات الإحزاب التي تخالف جبهة الإنقاذ في الرأي، بحجة أنهم يثلون ثورة ثانية.  وهم بذلك يضربون بقواعد الديمقراطية عرض الحائط، ويستهدفون تدمير الدولة المصرية ومؤسساتها وليس تحقيق أهداف الثورة.
الخلاصة أن الرجعية الجديدة التي تمثلها جبة الإنقاذ وأعوانهم من الفلول قد غمست يدها في دماء الشعب، واقترن نشاطها بالقتل والتدمير وحرق المنشآت. ويعتبر انسحابها خوفا من الفشل الذريع في الانتخابات التشريعية القادمة، لبعدها فكريا عن القيم المصرية الصميمة، وبعدها استراتيجيا عن المصالح المصرية الحقيقية.

حمى الله ثورة مصر ورد كيد جبهة الإنقاذ وأعوانها من الفلول الذين يكونون الرجعية الجديدة إلى نحورهم، ووقانا جميعا شرور خططهم. والله من ورائهم محيط.

No comments: