Saturday, June 27, 2015

المسلمون بين داعش وماعش والاستعمار

تنظيم الدولة يصول ويجول في العراق وسورية وليبيا والسعودية والكويت ليعيث في الأرض الفساد، وليقدم للغرب دليلا سهلا على أن المسلمين قاتلون وسفاحون. وفي الوقت نفسه، يوجه داعش وحشيته تجاه وحدة المسلمين، فيتعامل مع الشيعة على أنهم كفار، يستحقون القتل والتشريد. فيهدم المساجد ويقتل المصلين، دون عابئ بما يحدثه من انشقاق بين المسلمين
ومقابل ذلك، يقوم الحشد الشعبي بتدمير القرى المسلمة في العراق، وتهجير أهلها، وتدمير مساجدها، حتى تكون مفتوحة لسكنى الشيعة، في جهد واضح للتطهير المذهبي.
والحقيقة أن الشيعة ليست دينا وإنما هي مذهب، وبالتالي، لا يتصور أن يكون للشيعة مساجد، كما أنه ليست هناك مساجد خاصة للمنتمين للمذاهب السبعة الأخرى (الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية والزيدية والإباضية والظاهرية). ولكن الشيعة اختاروا طريقة للأذان والصلاة تختلف عما تعارف عليه جمهور المسلمين. مما يصعب عليهم أن ينضموا إلى صفوف الصلاة في المساجد المعتادة التي لا تتقبل المصلين على أساس مذهبي. وهم بذلك متهمون بإدخال البدع في العبادات، وهو أمر جد خطير.
ومن ناحية أخرى ما يزال الشيعة يعيشون قصة الفتنة بين علي كرم الله وجهه ومعاوية. وهي نقطة فارقة في تاريخ المسلمين، حين نجح الأمويون في نقض ركن من أركان النظام الإسلامي وهو الحكم بالشورى وحولوه إلى نظام ملكي قح مبني على بيعة تؤخذ بالغلبة. وهو النظام الذي بقي عليه المسلمون حتى الآن، باستثناء تركيا وماليزيا. ولم يحد العرب عنه باستثناء عام واحد من الحكم الديمقراطي في عهد الرئيس الدكتور محمد مرسي الذي ينتظر الإعدام في المستقبل القريب.
ونظرة الشيعة المعاصرون للفتنة ليست أنها استبدلت ملكا عضوضا بنظام الشورى أو الديمقراطية، بل يعتبرونها نكبة لآل البيت بصفتهم أصحاب الحق الإلهي في الحكم. أي أنهم لا ينظرون للحسين عليه السلام شهيدا في سبيل نظام الشورى، ولكن بصفته صاحب حق وهو وسلالته في حكم المسلمين. وبالتالي، فلا يختلف الشيعة عن الأمويين في كونهم معادين للشورى من حيث المبدأ ومؤيدين للحق الإلهي في الحكم الذي يختص به آل البيت. وهذا بدوره أدى إلى مناداة قلة من علمائهم بمبدأ ولاية الفقيه الذي نجح الخميني في فرضه على إيران.
وهكذا تسببت الطريقة التي يتبعها الشيعة في الصلاة والأذان، وسيطرة مبدأ ولاية الفقيه، على تحويل الشيعة من مذهب إسلامي إلى دين آخر يختلف عما عليه جمهور المسلمين. ولعل هذا الشعور السائد لدى بعضهم بأنهم على دين مختلف وليس على مجرد مذهب في إطار الدين الإسلامي قد أدى إلى أن يسعى الإيرانيون سعيا حثيثا لتشييع المسلمين. وهذا أمر غريب في الإسلام، لأن أصحاب المذاهب السبع لا يعرف عنهم التعصب لمذهبهم ولا الدعوة إليه دون غيره.
ويمثل "ماعش" أو الحشد الشعبي أو الميليشيات الشيعية تطبيقا عمليا لوجهة نظر متطرفة تعتبر الشيعة دينا، وتعتبر السنة خارج هذا الدين، يجب قتلهم وتكفيرهم. وفي المقابل يمثل داعش وجهة النظر المقابلة التي تعتبر الشيعة خارجين على الإسلام وتحل دمائهم ومساجدهم.
ومن العجيب أن العلماء المعتدلين من جانبي السنة والشيعة الذين يعطون أولوية قصوى لوحدة المسلمين ما يزالون أقلية. والسبب في ذلك يعود في معظمه إلى أن الشيعة في إيران لم يأخذوا بعد المناقشة الصريحة للخلاف المذهبي بما يستحقه من جدية، وأن الحكومة الإيرانية قد تبنت سياسة التمدد العسكري كمقدمة لنشر المذهب الشيعي بالقوة المجردة بين المسلمين، وبالتالي فقد اتخذت إيران موقفا معاديا للربيع العربي في سورية، ودعمت الحشد الشعبي في العراق وتمددت بصورة فاضحة في اليمن، وتكاد تحتل لبنان عسكريا.
والمسلمون الأن، شيعة وسنة لا بد وأن يتنبهوا إلى أننا لا نعيش في عصر الفتنة، فالسنة لم يقتلوا الحسين، كما أن جمهور المسلمين يتوقون للشورى ويريدون أن يروا حكاما يقلدون الخلفاء الراشدين. وفي الوقت نفسه، فإن الغرب يتوق إلى تقسيم العراق وسورية ولبنان واليمن، لأن في ذلك توطيدا لأمن إسرائيل وضمانا لإضعاف المسلمين واستمرارا لضخ النفط من أراضينا لمصانعهم.
ما يفعله ماعش في العراق واليمن ولبنان وسورية، وما يفعله داعش في العراق وسورية والسعودية والكويت من تدمير المساجد وقتل البشر وترويع المدنيين وتهجير الآمنين جريمة من وجهة نظر الإسلام تقارب الحرابة أو الأفعال التي تعتبر حربا على الله ورسوله. هذه الحرابة يجب أن تتوقف، إما بالمواجهة العسكرية، أو بالحوار، أو بالإثنين معا.
لا بد وأن نؤكد أن الشيعة مذهب وليست دينا. وأن الذي يجعلها دينا هم المتطرفون الذين يحلون قتل المسلمين وتدمير مساجدهم، ويصرون على شتم الصحابة وعلى أن الحكم حق إلهي محصور في سلالة معينة. كما أننا لا نقبل الأسلوب الأموي الذي يتبعه داعش، بمحاولة العودة لنظام الحكم المبني على البيعة القصرية. فقد آن للمسلمين أن يتحرروا من ظلم الحكام، وأن يسخروا نظم الحكم في بلادهم لحفظ كرامة الإنسان ورفع مستوى معيشته. 

No comments: